جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
خطبة الشيخ في الحرجة
10271 مشاهدة print word pdf
line-top
الخطبة الأولى

.......فتح بابه للطالبين، وحَثَّ على دعائه في كتابه المبين؛ ولم يَزَلْ مُتَفَضِّلًا على المخلوقين، وعد برحمته المؤمنين، وبعفوه عن القوم الظالمين.. نحمده سبحانه على إنعامه على المؤمنين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله -تعالى- حَقَّ تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فأطيعوا أمره، ولا تخالفوه، فإن طاعته سببٌ للثواب، ومعصيته سببٌ للعقاب، واشكروه على ما أَوْلَاكم من الإحسان والفضل العظيم؛ فإن شكره سبب لبقاء النعم، واندفاع النِّقَم، واذكروه في كل حالاتكم، ولا تغفلوا عن ذِكْرِهِ؛ فإنه يَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَهُ، ويُعِين مَنْ شكره، واعلموا عباد الله أن ربنا سبحانه فَرَضَ علينا عبادته، وأَمَرَنَا بالإخلاص له، إخلاصِ الدين ودعائه بذلك، قال الله تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
فأوصيكم ونفسي بدعاء ربكم سبحانه، فإنه قريبٌ مِمَّنْ دعاه، مُجِيبٌ لِمَنْ سأله، كما وعد بذلك بقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ فَأَكْثِرُوا مِنْ دُعَائِهِ -سبحانه- سِرًّا وجهرًا، كما قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنْ لم يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عليه فَرَبُّنَا -سبحانه- يُحِبُّ مَنْ دَعَاه، ويُعْطِي مَنْ سأله، ويستجيب لِمَنْ طلبه، وهو سبحانه خزائنه ملأىلا تغيضها نفقة قال -صلى الله عليه وسلم- يمين الله مَلْأَى لا تغيضها نفقة، سَحَّاءُ الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؛ فإنه لم يَغِضْ ما في يمينه .
فإذا دعاه الْعِبَاد، وأَلَحُّوا في دعائه، فإنه أكرم مِنْ أَنْ يَرُدَّهُمْ، وأعظمُ من أن يُخَيِّبَ آمالهم، ويرد رجاءهم، كيف وقد تَكَفَّلَ برزق العباد؟ قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا فَتَكَفَّلَ برزق جميع ما على الأرض، من دابة وطير وحشرة، وإنسان وحيوان، كما أخبر بذلك بقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ولكنه -سبحانه- يبتليهم بالمصائب، ويبتليهم بالذنوب، ويبتليهم بالآفات، حتى يعرفوا حاجتهم، ويعرفوا شدة فاقتهم، ويعرفوا ضرورتهم إلى ربهم؛ فهنالك يُقْبِلُون عليه بِقُلُوبٍ خاشعة، يُقْبِلُون على ربهم، وعلى دعائه؛ يَتَضَرَّعُون إليه، يتواضعون بين يديه، يتذللون له، يُظْهِرُون له الفقر والفاقة، يُظْهِرُون له شدة الحاجة، فهو -سبحانه- رحمته قريب إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ولكن لا بد أن يتواضعوا له، ويتضرعوا بين يديه، ولا بد أنهم يتوبون إليه ويستغفرونه.
فَلْنُكْثِر عبادَ اللهِ من دعائه -سبحانه- فإنه -سبحانه- يحب الْمُلِحِّين في الدعاء، الْمُسْتَمِرِّين فيه، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- يُسْتَجَاب لأحدكم ما لم يَعْجَلْ، يقول: دعوتُ ثم دعوتُ فلم أرَ يُسْتَجَابُ لي فيَسْتَحْسِرُ عند ذلك، ويَدَعُ الدُّعَاء ، رَبُّنَا سبحانه أمر عباده بدعائه، ووعدهم بالإجابة، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ الذين يتكبرون عن دعائه، الذين يُظْهِرُون الاستغناء عن ربهم، الذين يُظْهِرُون أنهم ليسوا بحاجة إلى الله تعالى، لا بُدَّ وأنه يمتحنهم، ولابد أنه يعذبهم، إما عذابا عاجلًا، وإما عذابا آجلًا في الدار الآخرة.
أما الذين يعرفون حاجتهم، ويعرفون شدة فاقتهم، ويدعون الله -تعالى- ويرفعون إليه أَكُفَّ الضراعة؛ فإنه سبحانه يرحمهم، ولو أَخَّرَ ذلك، ولو امتحنهم بأنواع من الامتحانات، فإنه سبحانه لا بُدَّ وأن يفرج الكروب، وأن يُزِيلَ الشدائد، وأن يَرْحَمَ عباده، بهائمهم وحيواناتهم، ونفوسهم، فهو رَبُّهُم ومالِكُهُمْ، ولا يهلكهم سيما إذا تعبدوا إليه، وأخلصوا له الدين.

line-bottom